Friday 30 November 2012

كلٌ يريدك له..

وطن، مواطن، استوطن، توطين، مواطَنة، استيطان، ... وطن..

مفردات كثيرة مصدرها (وطن) و آهات كثيرة يُطلِلقها (وطن)

نسمعها كثيراً، نقولها كثيراً، نكتبها كثيراً، و نحلم بها كثيراً

مفردة واحدة أحدثت في نفوسنا كل هذا الشجن

مفردة واحدة.. أتصارع مع نفسي كي أستشعر معناها الحقيقي..

مفردة واحدة أبحث عنها و تبحث عني و أحكي عنها كثيراً مثل فاقد بصرٍ يصف كوناً تربّى في خياله ،..

أعتقد أن الوقت قد حان يا وطني كي أخاطبك أنت، و ليس المفردة التي ضاقت بي و بوجعي

يتجاذبونك كلهم، كلهم يا وطني.. يتصارعون .. يتنافسون من منهم سينهش من ثراك أكثر.. كلّ يراك بعين طمعه و جشعه ... كل يراك بعينه كل يريدك له ..

أشلاؤك يا وطني يتنازعون عليها.. مكسورٌ أنت يا وطني.. بعيدٌ و مُبعدٌ.. حزين أنت ..

كلٌ يريدك له.. و أنا أريدك لك (١)؟..لكي 'تكون' يا وطني.. أما آن لك أنت تكون كلّك؟؟!! ... لا بعضك و لا نصفك ..أن تكون كلّك بشاطئك و برّك و بحرك و نهرك

عصيٌّ أنت حتى على الحلم،،، بعيد أنت كنجمة مضيئة يخبو نورها غيوم سوداء في ليل معتم شديد البرودة و الصقيع


يراك أولئك في كتبهم المقدسة.. يريدوك يا وطني ليس لك، بل لكي يحظوا بجنّة بعد "الحياة" .. هم يا وطني لا يحبونك أنت.. بل يرونك جسراً للعبور ..
وا عجبي منهم يا وطني لم يجربوا نشوة شم ترابك .. وجع البعد عنك و الحنين المزمن إليك...

فكيف إذاً لم يريدوك جنة الآن .. كيف لم يصلّوا لتكون أنت جنّتهم للخلود ؟!

هم لا يريدونك لك

لا يريدونك أنت


و أولئك يرونك كرسياً و مالاً و سلطة و عنجهية..

لا يهمهم إن اعتلوا بعضك أو كلك.. المهم أن يحظوا منك بما يكفي ليتسع لكرسيهم المهترىء الحقير..

هم لم يروك يا وطني، كما أراك،، و لا يريدونك لما أريدك له ..

يريدون يا وطني أن يملكوك حتى و إن سحقتك و آلمتك و مزقتك كراسيهم التي يتربعون علبها.. لا تهمهم أنت يا وطني، و لا يعنيهم أن تكون...

فحذارٍ من هؤلاء و من أولئك يا وطن.. حذار من هذا و ذاك

و كن دوماً كما عهدك قلبي... قوياً عصياً و صامداً ..
كلٌّ يريدك يا وطني بطريقته.. كلٌ تعادى في سبيلك.. ليس لك.. ليس لك.. لا تصدقهم يا وطني..

لملِم أشلاءك يا وطني فأنت دون بعضك لست أنت.. لست أنت إن لم تكن كلّك..

لست أنت

أمّا أنا فأريدك لك ..

في حياتي و بعد مماتي و ما بينهما.. أنت و لا سواك.. ستكون جنتي و ناري و حبي الأول والأخير و لا أريد منك شيئاً إلا أنت تكون أنت بعنفوانك و جَلَدك و غفرانك..


سامحني يا وطن.. كالعادة ظلمتك مفرداتي و لم توفك حقك.. فكيف تتسع ثلاث حروف لتحكي قصة عشق دامية أبدية و ط ن ..

) مقتبسة من قول مأثور

Friday 5 October 2012

إنه الحب..

هو كائن عجيب يولد في ذواتنا و يكبر و يتسلل إلى أرواحنا لينزع عنها كثيراً من الأنا...
نعم .. إنه الحب.. طفل صغير يلهو و يلعب معصوب العينين لثقته التامة بأن لن يتركه العالم يتعثر و يؤذي نفسه ...
واثق بأن له مكان في هذا العالم ... يرى الوجود كله جميلاً
هكذا هو الحب بريء جميل مضيء .. حتى إن كبر و طال به الزمان و شاخت روحه أصبح مصدراً لآلامنا و جراحنا ....

Saturday 8 September 2012

نوستالجيا #3 قدري أنت

قدري أنت
قدري أنت... و دوماً نحو أقدارنا نخطو على عجل


قدري أنت .. و من منّا كان له يوماً أن يرسم قدره....

 قدري أنت و موعد قريبٌ بعيد... بين البرق و الأزل

قدري أنت و في عينيك بيتي و مسكني ... و إلّا لما تشرّدت روحي في البُعاد


قدري أنت ، لا تطل غيابك ... فقلبي الصغير لا يتقن فنّ الانتظار


قدري أنت فلا تثقل عليّ بكثر الأسئلة.. فعمرٌ من الحب لا يختصره جواب


قدري أنت و أمنية و أغنية شرقية تشدو بها روحي كلّما حلّ المساء


قالوا لي .. بأن القدر يجيء لأنه ملّ السفر..


قالوا لي.. و قالوا لك .. قالوا عنّي، و قالوا عنك


فلا القلب ضاق و لا هو ملّ .. و لا زال من عينيك يسقي أمل 

قدري أنت ... قدري و موطني و مرفىء روحي و حلم جميل بعيد المنال ...


أحبك جدّاً يا سيدي، و ما عدت أعرف ماذا يقال


Thursday 6 September 2012

نوستالجيا #2: أُرِيدُ وَطَناً

 أُرِيدُ وَطَناً  


أريد وطناَ من سماء وهضاب وحقول وبيوت تتخلل نوافذها الصغيرة الشمس..


أريد وطناً.. من أرضِ و بحرِ و شطآن و موانئ تعود إليها السفن المسافرة، و لو بعد حين... 


 أريد وطناً لا لشيء.. بل لكي أسقي في الصباح زهور الياسمين


 أريد وطناً يتحرر من سجن القصيدة و عبء المفردات الواعدة... 

 لا أريده لشيء، بل لكي أنظم الشعر من وحي التجربة!! 


أريد وطناً...  لا لشيء، بل لكي أعشق عمري و أمحو عن جبيني أرق الحنين


 أريد وطناً غير ذاك الهش في قلبي من سراب و صقيع و ألم !!

أريد وطناً غير ذاك المشيّد في خيالي المصور في أحلامي و غير ذاك الممزق الذي أبصر أمامي

وطناً لا يفضي الطريق إليه نحو نيران و أشواك

أريده حارّاً في أيام الصيف ... ممطراً في الشتاء.. باسماً في الربيع

أريده أنشودة سعيدة تتغنى بها أمي في الصباح،

 و درساً مضجراً أحفظه عن ظهر قلب على مقاعد الدراسة.. 

و قصة  سعيدة يرويها لي أبي قبل أن أنام


أريده و لا أريد سواه

أريده لكي أصير الأنا التي أريد

أريده لكي أحِبَّ من أٌحِبُّ بلا تعقيد

أريده كي تصفو الحياة  قليلاً و لكي يصير الحلم ممكنا.. 

أريده لا لشيء،  بل لكي أهجر ما سواه

أريده لذاته.. لكونه هو 


لم أطلبه يوماً استثنائياً..

أريده وطناً .. وطناً اعتيادياً.. تطل عليه الشمس عند بزوغ الفجر، و يضيء قمره ليل العاشقين..


Wednesday 15 August 2012

السّر الكامن

"السّر الكامن"

بالإضافة إلى سلسلة "نوستالجيا" التي شرعت في كتابتها منذ أيام مضت أنا أعد كذلك سلسلة قصيرة سأكتبها على أجزاء عن زيارتي الأولى لبيروت و تعلّقي الغريب بها.. سأرفق هذه السلسلة بصور التقطتها بنفسي خلال الزيارة إلا أني أؤمن كما أقول و سأقول دوماً أن الكلمة بألف صورة و ليست الصورة بألف كلمة و أن الصور لا تقوى على نقل المشاعر و الأحاسيس بقدر ما تستطيع الكلمة أن ترسل ذبذبات سحرية تنفذ إلى قلب القارئ و عقله كالتعويذة
لهذا قررت أن أوثق رحلتي بالكلمات حتى أستعيد تلك المشاعر و الأحاسيس و الذبذبات بعد زمن
فالصور تجمّد لحظة فائتة مقتولة من عمرنا إلا أن اللحظة تخلّد بالكلمات

لن أطيل عليكم الحديث يا سادتي و إليكم الجزؤ الأول من سلسلة السرّ الكامن

"السر الكامن ١"


حالما بدأت الطائرة بالهبوط و إذ بإحساس المسافر العائد إلى وطنه ليعانق أرضه يدغدغ قلبي....

بدأت بالتقاط صور لجباله الشامخة بينما كانت عجلات الطائرة تستعد لملاقاة أرض مطار رفيق الحريري الدولي و كأني أشاهد شريطاً قديما يعود بذكرياتي

إلا أني لم أكن مسافراً عائدا .. بل كنت أزور بلداً جديداً غريبا عني للمرة الأولى ... إلا أنه و لسبب جهلته حينها لم يبد غريباً عني

نزلت من الطائرة و استلمت حقائبي و استقلّيت السيارة التي انطلقت في الشارع كـمن يوشك على خوض غمار معركةٍ تصارع فيها من أجل البقاء ... و البقاء، للأقوى ...

ازدحام جنوني .. نسق هذه المدينة سريع و لم أعهده من اقبل، إلّا أنه راق لي ... صخب هذه المدينة متآلف بصورة عجيبة

بدأت بالتقاط الصّور و إذ بسائق السيارة ينبهني ألاّ ألتقط صوراً حتى ندخل وسط المدينة و إلا تعرضت للمسائلة و الاستيلاء على الكاميرا من قبل الأمن اللبناني

لقد وصلنا الآن إلى وسط المدينة .. بدأت أتأمل أكثر فأكثر ما يحيط بي

بيوت متلاصقة عتيقة البناء
وجوه بسيطة تعبر الشارع و أخرى ترجو الإحسان

و في المقابل ... سيارات فخمة تمشي الهوينا و أخرى تتجاوزنا بسرعة جنونية
على يميني إعلان ضخم لقناة الميادين الداعمة للمقاومة، و من أمامي جسر قديم كتب عليه سنعود إلى فلسطين .. صور و ملصقات كتب عليها " الشعب يريد زياد الرحباني"

ألحّ على السائق بأسئلة لا تنتهي، و هو يجيبني برحابة صدر و يحاول أن يفسر لي التناقضات المتوالية أمام عيني لمدينة تعجز هي عن فهم نفسها

نقترب من الفندق الواقع بالقرب من رياض الصلح في شارع الحمرا.. أدخل غرفتي و ألقي بنظرة خاطفة من شبّاكها على الدكاكين و الأكشاك


لا يزال شعوري بالألفة و التآلف و العجب من هذه المدينة الغريبة القريبة يؤرقني

أغطّ في نوم عميق لساعات أزاحت عن جسدي إرهاق السفر و أستيقظ لأستحمّ و أنطلق لتبدأ رحلتي لاستكشاف السرّ الكامن في بيروت ....


  1. يتبع

Thursday 9 August 2012

نوستالجيا #1

هي مشاعر مجهولة الهوية... بعضها يلامس واقعي، بعضها الآخر يلامس قلبي لسبب ما.. ربما هي مشاعر عشتها في حياة سابقة.. أو في هذه الحياة غيرأن قلبي قرر أن يغير أجندته. أحب أن أسميها "فوضى روح" .. 

إنها سلسلة بدأت في كتابتها منذ فترة و سأنشر منها هنا في كل مرّة مقتطفات قصيرة و هي تعبر عن حالات أمر بها. مشاعري على الورق و لا شيء من المنطق أو الواقعية أحياناً.. نوستالجيا أو حنين 

نوستالجيا #1  


في غيابك, تبدو لي أحياناً كل الوجوه أنت.. كل العيون تنظر إلي باستغراب و لهفة: ألم تعرفيني بعد؟ أنسيتني بهذه السرعة؟  قد أعزو ذلك ربما لقصر النظر الذي أعاني منه و أرفض أن أعالجه أو أقتني النظارات الطبية. ربما, أنا سعيدة بوهمي هذا.سعيدة بأنه لعيني, كل وجه "قد" يكون أنت من بعيد, أستمتع بهذه اللهفة اللحظية و الارتباك و اللوعة و خليط المشاعر العجيبة التي تنتابني حين أراك, و لا أراك.

و من ثم لا ألبث أن أستعيد شعوري بذاتي المسلوبة و أسترجع بضعة الأنفاس المحبوسة التي تبقت من عمري عندما يقترب هو و لا يكون أنت, و يقترب صديقه و لا يكون أنت, و يضم ذاك حبيبه الشقراء و لا يكون أنت. و تغيب كل هذه الوجوه و لا يظل إلا أنت
قابع هناك في آخر الممر, معي و لست معي.. أحبك و أكرهك .. أمقتك و أعشقك.. أضيع في متاهات عينيك و أكره ذاتي بدونك.. فأنت كل التناقضات الكامنة في روحي الصغيرة المعذبة من بعدك.. أنت مزيج تلك المشاعرالإنسانية التي تختلج ذاتي..

أنا على يقين تام لا يخالجه شك أنك هناك قابع في آخر الممر, أراك من هنا بعيني ضعيفتي البصر قويتي البصيرة.. إلا أني لا أعرف أي طريق سيهوي بي بين ذراعيك..هل هو قريب أم بعيد.. هل هو فوق الأرض, تحت الأرض أم في السماء.. هل سألقاك مجددا في هذه الدنيا ام أن أكسجين هذه الحياة و صخبها و زواليتها لم تناسب حبنا الأزلي الشقي البائس الهارب من الوجوه و من الزمن..

أنت هناك قابع تنتظر بصبر لا ينتهي أن تأخذني خطاي إليك.. و أنا هنا أحبك في كل وجه و في كل خيال و ظلّ.. ..


أكرهك.. نعم, إني أكرهك .. فمعك و بك أضيع من نفسي. معك لا يعود الحلم مجدياً. أنت. إنه أنت. كنّا أم لم نكن يا حبيبي, فكيف لي أن أنسى كيف تهنا معاً ؟


Saturday 28 July 2012

شهيق.. زفير

شهيق.. زفير

قد يبدو عنوان هذه التدوينة غريباً بعض الشيء.. إلّا أنه أوّل عنوان تبادر إلى ذهني في ظل الأوضاع الراهنة التي أرقبها في المنطقة
شهيق.. زفير
أشعر بحاجة إلى الأوكسجين
إلى القليل من الحياة في جوف حفرة "الموت" العبثي المظلمة التي سقط فيها عالمنا طوعاً أو كراهية.. لا فرق
أختنق و أنا أشعر بعالم ألفته ينهار من حولي
و بمفاهيم جديدة قاسية تنبت كالشوك في مستنقعات مظلمة يكسوها الموت و جثث الضحايا و السفاحين
ها قد اختلط دم الضحية بسفّاحها
شهيق.. زفير

و بعيداً عن الواقع المليء بالقتل العشوائي و المظاهرات و الإضرابات والتفجيرات و المؤامرات، خلق "المتفرجون" منّا عالماً افتراضياً عبر سلسلة من مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على الأحداث الجارية. و يقول البعض "صنعها" ، و الله أعلم.
إلّا أن الأمر لم يقتصر على التعليق فحسب...
بل تحول إلى حرب شعواء فعلية بين الأطراف المتنازعة. تحاكي في بشاعتها و أثرها المدمر الحروب و المعارك الجارية على أرض الواقع
لقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي منابر لكل من يرغب في التعبير.. و جمعت الأضداد في مكان واحد. المعارضة و الموالاة و المحايدة .. و اللامبالاة  
و هنا يا سادتي بدأت عيوب مجتمعاتنا بالتفتح.
لا، لم يخلق تويتر أو فيسبوك نزاعات سياسية، اجتماعية أو طائفية جديدة بيننا. و لم يستحدث مشكلات لم تكن حاضرة أصلاً.
هم قدموا لنا منبرا حرا .. "للـتعبير"
فما لبثت معتضلتنا الأساسية أن ظهرت على الملأ
برهنت منابر التواصل الاجتماعي- إلى يومنا هذا- أننا نعاني من مشكلة كبيرة جدا، و نفتقد لمهارة هامة للنهوض بمجتمعاتنا ..
لا.. ليست مشكلتنا تتلخص في نظام ما إن سقط نهضنا و صلَح حالنا، أو في أزمة اقتصادية حالما "عدّت" نرسو على بر الأمان.
إننا يا سادتي نفتقد للقدرة على الحوار و التحاور و الاستماع إلى "لآخر" أيّا كان:
إن لم تكن معي فأنت ضدي
يجب أن يكون لي رأي في كل شاردة و واردة و أن أفرضه على الجميع و إن لم أمتلك المعلومات  و الدراية الكافية
فأنا يجب أن أدلو بدلوي في كل القضايا و الشؤون
الصمت ليس خيارا
احترام الآخر و تفهم وجهة نظره ليس خيارا كذلك
و إن لزم الأمر.. سأسب و أشتم و ألعن و أتوعد و أهين

على شاكلة " الرأي و الرأي الآخر"....

أمر مؤسف عندما يتلاسن أبناء البلد الواحد و يزايد كل منهما على وطنية الآخر، فيصنع كل منهما وطناً خاصّا به. وطناً مثاليا يتألف فقط من كل من يتفق معه في الرأي و يبايعه على السمع و الطاعة و الـ Like  و الـ Retweet حتى الموت..

ينسى هذا و ذاك أن ما يجمعهما و لا يزال يجمعهما وطن واحد و هوية واحدة بعيدا عن الأديان و الأحزاب و الطوائف و التوجهات
و يضيع هذا الوطن البائس و يتفتت بعد أن نسي أبنائه ماهيته الحقيقية و شغلوا عنه بالتنازع و الخصام.
الوطن لم و لن يفصّل يوماً على مقاس أحد منّا. الوطن كبير كبير جدا و يحتوينا جميعا على اختلافاتنا و تناقضاتنا.
"تعلّمتُ كل الكلام، وفككته كي أركب مفردةً واحدهْ. هي: الوطنُ" – درويـــش

شهيق.. زفير
نعم. لا نزال على قيد "الحياة" بالمفهوم الفيزيائي الشائع للكلمة...
إلّا أن سبل هذه الحياة و أسسها و مفاتيحها تضيع مننا شيئاً فشيئاً

ما معنى هذه الحياة و هذا العيش إن فقدنا القدرة على الحوار؟...
نتنازع في معارك نُزجّ فيها أو نلقي بأنفسنا في ساحاتها ...
نحارب لمجرد الحرب و إثبات الذات..
نموت مصادفة
ككلاب الطريق
 و نجهل أسماء من يصنعون القرار
نموت
 و لسنا نناقش كيف نموت
 و أين نموت
فيوما نموت بسيف اليمين
و يوما نموت بسيف اليسار
نموت من القهر
حربا و سلما
و لا نتذكر أوجه من قتلونا
و لا نتذكر أسماء من شيّعونا
-         فلا فرق- في لحظة الموت
بين المجوس
و بين التتار
"من أشعار نـزار قبـاني"

أنا و بعدي الطوفان
أعيش أنا و يموت يموت يموت معارضيّ

نصرخ و "نتفلسف" و نحتد لا لنتفقّه و نستفيد و نتعلم من "الآخر" بل لنحاربه و نبرهن للخليقة أنه على خطأ
أعيننا و قلوبنا معصوبة
نسينا أننا عندما "نصرخ" لا يسمع سوى الهدير الصّام للآذان
نسينا أن نأخذ "شهيق.. زفير" و نصمت حين يجب الصمت

أنّي أؤمن بأن الخطوة الأولى لنستخرج أنفسنا من الحفرة المظلمة التي سقطنا فيها هي أن نتقن فن الحوار و التحاور

أن نستغل المنابر المتاحة لنا لـ"التواصل" و تقريب وجهات النظر... 

أن  نركّز دوماً على ما يجمعنا
الوطن.. الإنسانية .. الحق في الكلام.. الحق في التعبير.. الحق في الحيـاة بالمفهوم الواسع للكلمة.

لكي نعيش يجب أن نتعايش...
أن نحمد الله أننا لا نزال على قيد الحياة
شهيق ... زفير
لا يزال في قلوبنا نبض.. و في ألبابنا فسحة للتغيير
و لا يزال هناك في آخر النفق نور صغير يشع من بعيد..
و آمل أن يسعفنا ما تبقى في أجسادنا و قلوبنا من حياة لنصل إليه


شهيق... زفير
 و الحمد لله على نعمة الحياة


Sunday 22 July 2012

خربشات على جدار القلب

خربشات على جدار القلب..

في بعض الأحيان .. يكون النسيان نعمة حقيقية و إكسيراً سحريّاً يمكّن قلوبنا من متابعة المسير ..
الذاكرة
كائن متمرّد.. خارج عن سيطرتنا

لا نختار بأن ننسى..
كم تمنينا أن نمحو شخصاً أو حدثاً أو صورة أو كلمة.. فعاندتنا الذاكرة كعادتها
و إذ بهم عالقون في قلوبنا و عقولنا كالوشم.. كاللعنة .. كالمرض المزمن

و كم من لحظات تمنينا لو توقّف عندها الزمان.. نعيد شريطها في ذاكرتنا مراراً و تكراراً
نتشبث بها بكل ما نملكه من حياة
فإذ بضباب يلفها شيئاً فشيئاً
 فتتسرب من ذاكرتنا كالرمل
تتلاشى شيئاً فشياً
و تضحي كالزبد
كلما تشبثنا بها.. كلماهربت منّا مذعورة

 و كم من أشخاص امتلكوا قلوبنا و رحلوا عنّا ...
يمر الزمان أيضاً.. كالبحر.. و يجرف ذكراهم من عقولنا و قلوبنا
لنبحر في هذه الحياة بدونهم.. وحيدين.. بعيدين و مبعدين
بانتظار السيل الذي سيجرفنا نحن كذلك و يجمعنا بهم

نكتشف أن حب العالم لا يكفي لنحتفظ بمن نحب للأبد
فالأبدية مصطلح اخترعه البشر، لكي تضحي هذه الحياة الغريبة القاسية العارية من كل منطق "ممكنة"
سـأحبك .. إلى "الأبد"..
كان يجب أن أقول سـأحبك..."إلى أن تخوننا الذاكرة"

لم أكن أدري بأن سنة كافية لأواجه صعوبة في تذكر ملامح وجهك و ابتسامتك!

المضحك المبكي.. أننا لا ننسى ما يجب نسيانه دوماً
حب كاذب
حادث مؤلم
كلمة جارحة
و إن نسينا فالأثر المطبوع في قلوبنا لا يزول
جروح القلب لا دواء لها
حالما نجزم بأنها قد التأمت ... تعود و تتفتح في أكثر لحظاتنا سعادة
عجيب حالنا نحن البشر
نبكي في أشد لحظاتنا سعادة
و نضحك في أحلكها حزناً و أيلاماً
و نبحث عن الحب في ساحات الحرب
و عن الحرب في قصص الحب
و عن النسيان في الحب و الحرب
عن سر هذا النسيان العجيب الذي يباغتنا .. الذي يطوي من نحب و من نكره و لا يلبث يطوينا ..
يا ريت لو نمتلك هذا الإكسير العجيب .. فنستعين به "عند الحاجة" فقط

"فقط "عند الحاجة"
مسلوبو الإرادة.. نحن
 و مع ذلك فإننا عندما نحب نشعر بأننا ملكنا الدنيا و ما فيها
مع أن المحب الصادق كالعابد الزاهد... مملوكٌ و ليس مالكاً

ننسى و نتذكر
و تمضي أشرعتنا غير آبهة بما ابتلعه البحر
حتى و إن كان شظايا من أرواحنا

Saturday 21 July 2012

خيرٌ لا بدّ منه

"خيرٌ" لا بد منه
قد يلومني الكثيرون و يزجروني قائلين: المقارنة لا تجوز، لا محل لها و هي لا تؤدي إلى الإصلاح.
و أقول لهم أن لا يسعني إلّا المقارنة يا سادتي و قلبي يقطر حزناً و ألماً من هذه المقارنة التي أفجعتني.

نعم، أفجعتني.

فإني هنا أرى حاكماً عربيّاً يتخذ من حلول شهر رمضان الكريم فرصة للأخذ بيد أيتام بلاده، ليس فقط ماديّاً بتوفير المسكن و الملبس و المصروف لهم.. بل معنويّاً كذلك بتوفير "أسرة بديلة" للاعتناء بهم.

إنّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أطلق أمس مبادرة غاية في الإنسانيّة أسماها "قرية العائلة". يقطن الأيتام في هذه القرية و توفّر لهم فيها رعاية معيشيّة و صحيّة و نفسية كاملة. بل و إنهم يحاطون بأسرة بديلة كذلك مؤلفة من أم و خالة. كما أشار سمّوه إلى تخصيص أرض وقف لإنشاء مشروع يصرف من خلال عائداته على احتياجات القرية.

هذا و كنت قد قرأت خبر "قرية العائلة" البارحة من خلال تغريدات سمّوه بعد الإفطار مباشرة..

في صباح اليوم التالي استيقظت كعادتي لأقرأ الأخبار اليومية، و إذ بخبر جديد عن فض اعتصام للأيتام على الدوّار الرابع في العاصمة الأردنيّة عمّان فجر اليوم السبت. و لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل قام الأمن بالاعتداء عليهم بالضرب بـ"القنوات" و من ثم باشر باعتقال بعض منهم. تابعت البحث، و إذ بي أرى صوراً مؤلمة لبعضهم و قصصاً تدمي القلب لآخرين.

تذكّرت قوله تعالى في كتابه العزيز " فأما اليتيم فلا تقهر"...

و اليتيم هناك قُهر و أهين و اعتدي عليه..

اليتيم المستضعف الذي لا حول له و لا قوة ..

و أهم ما في الأمر، لا يملك عشيرة "تثور" و تهيج غضباً و "تقوم قائمتها" فزعاً لمصابه.

اليتيم الذي دعانا الله  إلى تكريمه و الأخذ بيده ضُرب و أُهين و طُرد لأنه لربما يشوه المنظر الحضاري للبلاد بوجوده مرميّاً في الشوارع!!
و إن تساءل بعضكم لم يعتصم الأيتام في عمّان، فالإجابة هي أنّهم يطالبون بأبسط حقوقهم من الرعاية الصحية و النفسية و الاجتماعية و الماديّة. فهُم " ما إلهُم غير هالـبلد"!




 دعوني أؤكد لكم أنّي أدرك تمام الإدراك الفروقات الجسيمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة و الأردن من الناحيتين الاقتصادية و الديموغرافيّة و أنّ مشروع مثل "قرية العائلة" التي سينشؤها سموّ الشيخ محمد بن راشد قد لا يعدو عن كونه مجرد حلم في الأردن في ظل الظروف الاقتصاديّة المزرية التي تمر بها البلاد. 
و لكن لا يسعني يا سادتي إلّا أن أقارن و لو على المستوى الإنساني كأقل تقدير!!
 .. فالإنسانيّة لا ترتبط بمستوى اقتصاديّ معين، أو بثروات نفطية أو بديموغرافية معينة.
الإنسان يا سادتي إنسان.. هنا أو في الصين أو اليابان.
و إنّي أؤمن بأنه لا يلزمنا لنتعلّم الدروس الانتظام في الصفوف المدرسية أو الجامعيّة و حضور المحاضرات التثقيفية، بل يكفينا فقط أن نرقب نماذج من البشر..  تعلمنا دروساً بصمت، دون أن تخلق زوبعة و تتفاخر بإنجازاتها.
 فهي  ترى بأنها تمارس دورها "الطبيعي" و لا تستفت فيه سوى ما زرعه الله في نفسها من إنسانية و حكمة.

المقارنة التي عقدتها اليوم يا سادتي كانت لربما شرّاً لا بد منه.
 لعل بعض القلوب المغيّبة تستفيق ،
 أو لربما تنتفض الضمائر البكماء من  سباتها.

فإن نجحت المقارنة المعقودة في تحقيق ذلك، تصبحُ يا أخوتي خيراً. 
خيراً لا بد منه.

Friday 20 July 2012

أرقام

أرقام

لا أفهم هذا العالم العبثي المجرد من الإنسانية بقدر ما يفيض بالبشر!
لم أكن يوماً ضليعة في الحساب..
في صغري كنت أعدّ المكعبات و الفواكه و الأعواد الخشبية إلى أن تعلّمت العد

.. كبرت قليلا و أصبحت أعدّ النقود التي جمعتها عيديّة و أخبؤ منها لشراء هديّة عيد الأم لأمي..

 كبرت أكثر و أكثر  و تمنّيت لو أنّي لم أتعلّم العد مطلقاً
و كبر أيضاً العالم من حولي.
بل شاخ و هرم و فقد الإحساس في أطرافه الأربعة!!
 أضحى ينزف بصمت محرق..
أبكم هو، و صامتون نحن..
و للأسف كبرت أنا أيضا و بدأت أراه على حقيقته المرّة .. لتصبح الأرقام كابوسا و هاجساً مخيفا
قتل أربعون هنا و أصيب مئتان هناك .. استشهد قتل اغتضب ذبح .. لا أفضلية لمسمى على آخر فالموت واحد.. و القتل واحد سواء أكان المقتول جانيا أم مجنيّا عليه
كلنا سواسية مع هذا الأسود القاتم .. كلنا سواسية تحت التراب
و كلنا سواسية في ثوب الحداد الأسود

أرقام أرقام أرقام
تحول البشر إلى أرقام!!
فـتبلّد الإحساس
الإنسان رقم .. رقم في الدوائر الرسمية و الحكومية.. في السجون و المعتقلات.. لولادته رقم.. على جواز سفره  رقم .. و على كفنه رقم!! مجرد رقم من بين أرقام لا حصر لها
أعلم أن لن ينقصنا في يوم بشر.. فكلّ يوم يولد بعدد من يغادر و أكثر
إلّا أن ما ينقصنا هو الإنسانية ...
كثير من البشر و القليل القليل القليل من الإنسانية
كثير من قصائد الغزل و أغاني الحب و الأفلام الرومانسية و القليل القليل القليل .. من "الحب"
لم أتصوّر يوماً أن يتحول الإنسان إلى رقم على شاشات الأخبار
يستعصي عليّ العد
بل إني أرفض العدّ

 و أرفض كذلك أن أهلّل للموت! يا ويح ابن آدم يرقص فرحاً بالموت!! ويل لبشرية تحتفي بالموت على قساوته و بشاعته و الدمار الذي يخلّفه!!

لربما أرقص فرحا بالموت المكلل لحياة "مكتملة"
الموت الذي يختتم مسيرة " الإنسان" و كفاحه على هذه الأرض

الموت الذي قدّسه "كيروساوا" في فيلمه الشهير "أحلام"

أما موت الحروب و الإرهاب و الدمار و الجوع و الفقر و الظلم فيا ويلاه لمن يحتفل به!! ألف يا ويلاه

الموت الذي يتساوى فيه المقتول و القاتل.. المقموع و القامع و المظلوم و الظالم

الموت الذي يسلخ عنّا كلّ يومٍ إنسانيّتنا أكثر فأكثر
 
هو موت قاسٍ و ظالم و لصّ!! نعم لصّ، لأنه يسرق "الإنسان" من غمرة الحياة التي تشبث بها بأطرافه و انتزعت منه انتزاعاً مدمياً 

نعم
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
و ما يستحق الموت أيضا
و ما يستحق النضال
و ما يستحق الحب


ألم يؤن الأوان لأن نعيد اكتشاف مواطن الحب في ذواتنا ؟
و أن ننزع تلك الغشاوة التي تعصب عيوننا
أن نبكي
 و نصرخ
و نتألّم
أن نعيد الحياة إلى أطراف عالمنا المتهالك قبل أن نخسره إلى الأبد و نخسر ذواتنا معه

أن نعلن ثورة جديدة و نسميها "ثورة الحب" و نستعيد هذا الحب المدفون عميقا في ذواتنا.. و لنكتشف أننا فعلاً بشر من لحم و دم و جزء من نسيج جسد بشري متلاحم.. و لسنا مجرّد "أرقام" تذهب ليجيء غيرها