Saturday 28 July 2012

شهيق.. زفير

شهيق.. زفير

قد يبدو عنوان هذه التدوينة غريباً بعض الشيء.. إلّا أنه أوّل عنوان تبادر إلى ذهني في ظل الأوضاع الراهنة التي أرقبها في المنطقة
شهيق.. زفير
أشعر بحاجة إلى الأوكسجين
إلى القليل من الحياة في جوف حفرة "الموت" العبثي المظلمة التي سقط فيها عالمنا طوعاً أو كراهية.. لا فرق
أختنق و أنا أشعر بعالم ألفته ينهار من حولي
و بمفاهيم جديدة قاسية تنبت كالشوك في مستنقعات مظلمة يكسوها الموت و جثث الضحايا و السفاحين
ها قد اختلط دم الضحية بسفّاحها
شهيق.. زفير

و بعيداً عن الواقع المليء بالقتل العشوائي و المظاهرات و الإضرابات والتفجيرات و المؤامرات، خلق "المتفرجون" منّا عالماً افتراضياً عبر سلسلة من مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على الأحداث الجارية. و يقول البعض "صنعها" ، و الله أعلم.
إلّا أن الأمر لم يقتصر على التعليق فحسب...
بل تحول إلى حرب شعواء فعلية بين الأطراف المتنازعة. تحاكي في بشاعتها و أثرها المدمر الحروب و المعارك الجارية على أرض الواقع
لقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي منابر لكل من يرغب في التعبير.. و جمعت الأضداد في مكان واحد. المعارضة و الموالاة و المحايدة .. و اللامبالاة  
و هنا يا سادتي بدأت عيوب مجتمعاتنا بالتفتح.
لا، لم يخلق تويتر أو فيسبوك نزاعات سياسية، اجتماعية أو طائفية جديدة بيننا. و لم يستحدث مشكلات لم تكن حاضرة أصلاً.
هم قدموا لنا منبرا حرا .. "للـتعبير"
فما لبثت معتضلتنا الأساسية أن ظهرت على الملأ
برهنت منابر التواصل الاجتماعي- إلى يومنا هذا- أننا نعاني من مشكلة كبيرة جدا، و نفتقد لمهارة هامة للنهوض بمجتمعاتنا ..
لا.. ليست مشكلتنا تتلخص في نظام ما إن سقط نهضنا و صلَح حالنا، أو في أزمة اقتصادية حالما "عدّت" نرسو على بر الأمان.
إننا يا سادتي نفتقد للقدرة على الحوار و التحاور و الاستماع إلى "لآخر" أيّا كان:
إن لم تكن معي فأنت ضدي
يجب أن يكون لي رأي في كل شاردة و واردة و أن أفرضه على الجميع و إن لم أمتلك المعلومات  و الدراية الكافية
فأنا يجب أن أدلو بدلوي في كل القضايا و الشؤون
الصمت ليس خيارا
احترام الآخر و تفهم وجهة نظره ليس خيارا كذلك
و إن لزم الأمر.. سأسب و أشتم و ألعن و أتوعد و أهين

على شاكلة " الرأي و الرأي الآخر"....

أمر مؤسف عندما يتلاسن أبناء البلد الواحد و يزايد كل منهما على وطنية الآخر، فيصنع كل منهما وطناً خاصّا به. وطناً مثاليا يتألف فقط من كل من يتفق معه في الرأي و يبايعه على السمع و الطاعة و الـ Like  و الـ Retweet حتى الموت..

ينسى هذا و ذاك أن ما يجمعهما و لا يزال يجمعهما وطن واحد و هوية واحدة بعيدا عن الأديان و الأحزاب و الطوائف و التوجهات
و يضيع هذا الوطن البائس و يتفتت بعد أن نسي أبنائه ماهيته الحقيقية و شغلوا عنه بالتنازع و الخصام.
الوطن لم و لن يفصّل يوماً على مقاس أحد منّا. الوطن كبير كبير جدا و يحتوينا جميعا على اختلافاتنا و تناقضاتنا.
"تعلّمتُ كل الكلام، وفككته كي أركب مفردةً واحدهْ. هي: الوطنُ" – درويـــش

شهيق.. زفير
نعم. لا نزال على قيد "الحياة" بالمفهوم الفيزيائي الشائع للكلمة...
إلّا أن سبل هذه الحياة و أسسها و مفاتيحها تضيع مننا شيئاً فشيئاً

ما معنى هذه الحياة و هذا العيش إن فقدنا القدرة على الحوار؟...
نتنازع في معارك نُزجّ فيها أو نلقي بأنفسنا في ساحاتها ...
نحارب لمجرد الحرب و إثبات الذات..
نموت مصادفة
ككلاب الطريق
 و نجهل أسماء من يصنعون القرار
نموت
 و لسنا نناقش كيف نموت
 و أين نموت
فيوما نموت بسيف اليمين
و يوما نموت بسيف اليسار
نموت من القهر
حربا و سلما
و لا نتذكر أوجه من قتلونا
و لا نتذكر أسماء من شيّعونا
-         فلا فرق- في لحظة الموت
بين المجوس
و بين التتار
"من أشعار نـزار قبـاني"

أنا و بعدي الطوفان
أعيش أنا و يموت يموت يموت معارضيّ

نصرخ و "نتفلسف" و نحتد لا لنتفقّه و نستفيد و نتعلم من "الآخر" بل لنحاربه و نبرهن للخليقة أنه على خطأ
أعيننا و قلوبنا معصوبة
نسينا أننا عندما "نصرخ" لا يسمع سوى الهدير الصّام للآذان
نسينا أن نأخذ "شهيق.. زفير" و نصمت حين يجب الصمت

أنّي أؤمن بأن الخطوة الأولى لنستخرج أنفسنا من الحفرة المظلمة التي سقطنا فيها هي أن نتقن فن الحوار و التحاور

أن نستغل المنابر المتاحة لنا لـ"التواصل" و تقريب وجهات النظر... 

أن  نركّز دوماً على ما يجمعنا
الوطن.. الإنسانية .. الحق في الكلام.. الحق في التعبير.. الحق في الحيـاة بالمفهوم الواسع للكلمة.

لكي نعيش يجب أن نتعايش...
أن نحمد الله أننا لا نزال على قيد الحياة
شهيق ... زفير
لا يزال في قلوبنا نبض.. و في ألبابنا فسحة للتغيير
و لا يزال هناك في آخر النفق نور صغير يشع من بعيد..
و آمل أن يسعفنا ما تبقى في أجسادنا و قلوبنا من حياة لنصل إليه


شهيق... زفير
 و الحمد لله على نعمة الحياة


2 comments:

  1. how sad indeed, but that's the way it goes these days, well said :)

    ReplyDelete
  2. انا شهادتي بهذه المقالة و بالمدونة ككل مجروحة ولكن هذا لا يمنع من الإشادة بهذه المقالة.. "شهيق..زفير" رائعة جديدة و كلمة مذهلة قد لا توفي حقها الكامل وقد تعطيها صفة غير منصفة
    "أنّي أؤمن بأن الخطوة الأولى لنستخرج أنفسنا من الحفرة المظلمة التي سقطنا فيها هي أن نتقن فن الحوار و التحاور"
    بالأولى، يجب علينا ان تتقن فن الاستماع، لأنه وباختصار شديد ندرة قليلة من العرب على دراية بهذا العلم، وندرة أكثر من الأولى تقوم بتطبيقه!! ثم علينا زيادة مفاهيم الإدراك والعلوم والثقافة، نعلم من نحاور، و ما هي طبيعته وبيئته، لانه ذقنا ذرعاً بالحوارات الفارغة والقائمة على أسلوب الدج و"اريد فرض رأيي بالقوة" و"إذا لم تكن معي فأنت ضدي"

    الله معك ويوفقك يا رب!

    ReplyDelete