"السّر الكامن"
بالإضافة إلى سلسلة "نوستالجيا" التي شرعت في كتابتها منذ أيام مضت أنا أعد كذلك سلسلة قصيرة سأكتبها على أجزاء عن زيارتي الأولى لبيروت و تعلّقي الغريب بها.. سأرفق هذه السلسلة بصور التقطتها بنفسي خلال الزيارة إلا أني أؤمن كما أقول و سأقول دوماً أن الكلمة بألف صورة و ليست الصورة بألف كلمة و أن الصور لا تقوى على نقل المشاعر و الأحاسيس بقدر ما تستطيع الكلمة أن ترسل ذبذبات سحرية تنفذ إلى قلب القارئ و عقله كالتعويذة
لهذا قررت أن أوثق رحلتي بالكلمات حتى أستعيد تلك المشاعر و الأحاسيس و الذبذبات بعد زمن
فالصور تجمّد لحظة فائتة مقتولة من عمرنا إلا أن اللحظة تخلّد بالكلمات
لن أطيل عليكم الحديث يا سادتي و إليكم الجزؤ الأول من سلسلة السرّ الكامن
"السر الكامن ١"
حالما بدأت الطائرة بالهبوط و إذ بإحساس المسافر العائد إلى وطنه ليعانق أرضه يدغدغ قلبي....
بدأت بالتقاط صور لجباله الشامخة بينما كانت عجلات الطائرة تستعد لملاقاة أرض مطار رفيق الحريري الدولي و كأني أشاهد شريطاً قديما يعود بذكرياتي
إلا أني لم أكن مسافراً عائدا .. بل كنت أزور بلداً جديداً غريبا عني للمرة الأولى ... إلا أنه و لسبب جهلته حينها لم يبد غريباً عني
نزلت من الطائرة و استلمت حقائبي و استقلّيت السيارة التي انطلقت في الشارع كـمن يوشك على خوض غمار معركةٍ تصارع فيها من أجل البقاء ... و البقاء، للأقوى ...
ازدحام جنوني .. نسق هذه المدينة سريع و لم أعهده من اقبل، إلّا أنه راق لي ... صخب هذه المدينة متآلف بصورة عجيبة
بدأت بالتقاط الصّور و إذ بسائق السيارة ينبهني ألاّ ألتقط صوراً حتى ندخل وسط المدينة و إلا تعرضت للمسائلة و الاستيلاء على الكاميرا من قبل الأمن اللبناني
لقد وصلنا الآن إلى وسط المدينة .. بدأت أتأمل أكثر فأكثر ما يحيط بي
بيوت متلاصقة عتيقة البناء
وجوه بسيطة تعبر الشارع و أخرى ترجو الإحسان
و في المقابل ... سيارات فخمة تمشي الهوينا و أخرى تتجاوزنا بسرعة جنونية
على يميني إعلان ضخم لقناة الميادين الداعمة للمقاومة، و من أمامي جسر قديم كتب عليه سنعود إلى فلسطين .. صور و ملصقات كتب عليها " الشعب يريد زياد الرحباني"
ألحّ على السائق بأسئلة لا تنتهي، و هو يجيبني برحابة صدر و يحاول أن يفسر لي التناقضات المتوالية أمام عيني لمدينة تعجز هي عن فهم نفسها
نقترب من الفندق الواقع بالقرب من رياض الصلح في شارع الحمرا.. أدخل غرفتي و ألقي بنظرة خاطفة من شبّاكها على الدكاكين و الأكشاك
لا يزال شعوري بالألفة و التآلف و العجب من هذه المدينة الغريبة القريبة يؤرقني
أغطّ في نوم عميق لساعات أزاحت عن جسدي إرهاق السفر و أستيقظ لأستحمّ و أنطلق لتبدأ رحلتي لاستكشاف السرّ الكامن في بيروت ....
- يتبع
No comments:
Post a Comment