Friday 20 July 2012

أرقام

أرقام

لا أفهم هذا العالم العبثي المجرد من الإنسانية بقدر ما يفيض بالبشر!
لم أكن يوماً ضليعة في الحساب..
في صغري كنت أعدّ المكعبات و الفواكه و الأعواد الخشبية إلى أن تعلّمت العد

.. كبرت قليلا و أصبحت أعدّ النقود التي جمعتها عيديّة و أخبؤ منها لشراء هديّة عيد الأم لأمي..

 كبرت أكثر و أكثر  و تمنّيت لو أنّي لم أتعلّم العد مطلقاً
و كبر أيضاً العالم من حولي.
بل شاخ و هرم و فقد الإحساس في أطرافه الأربعة!!
 أضحى ينزف بصمت محرق..
أبكم هو، و صامتون نحن..
و للأسف كبرت أنا أيضا و بدأت أراه على حقيقته المرّة .. لتصبح الأرقام كابوسا و هاجساً مخيفا
قتل أربعون هنا و أصيب مئتان هناك .. استشهد قتل اغتضب ذبح .. لا أفضلية لمسمى على آخر فالموت واحد.. و القتل واحد سواء أكان المقتول جانيا أم مجنيّا عليه
كلنا سواسية مع هذا الأسود القاتم .. كلنا سواسية تحت التراب
و كلنا سواسية في ثوب الحداد الأسود

أرقام أرقام أرقام
تحول البشر إلى أرقام!!
فـتبلّد الإحساس
الإنسان رقم .. رقم في الدوائر الرسمية و الحكومية.. في السجون و المعتقلات.. لولادته رقم.. على جواز سفره  رقم .. و على كفنه رقم!! مجرد رقم من بين أرقام لا حصر لها
أعلم أن لن ينقصنا في يوم بشر.. فكلّ يوم يولد بعدد من يغادر و أكثر
إلّا أن ما ينقصنا هو الإنسانية ...
كثير من البشر و القليل القليل القليل من الإنسانية
كثير من قصائد الغزل و أغاني الحب و الأفلام الرومانسية و القليل القليل القليل .. من "الحب"
لم أتصوّر يوماً أن يتحول الإنسان إلى رقم على شاشات الأخبار
يستعصي عليّ العد
بل إني أرفض العدّ

 و أرفض كذلك أن أهلّل للموت! يا ويح ابن آدم يرقص فرحاً بالموت!! ويل لبشرية تحتفي بالموت على قساوته و بشاعته و الدمار الذي يخلّفه!!

لربما أرقص فرحا بالموت المكلل لحياة "مكتملة"
الموت الذي يختتم مسيرة " الإنسان" و كفاحه على هذه الأرض

الموت الذي قدّسه "كيروساوا" في فيلمه الشهير "أحلام"

أما موت الحروب و الإرهاب و الدمار و الجوع و الفقر و الظلم فيا ويلاه لمن يحتفل به!! ألف يا ويلاه

الموت الذي يتساوى فيه المقتول و القاتل.. المقموع و القامع و المظلوم و الظالم

الموت الذي يسلخ عنّا كلّ يومٍ إنسانيّتنا أكثر فأكثر
 
هو موت قاسٍ و ظالم و لصّ!! نعم لصّ، لأنه يسرق "الإنسان" من غمرة الحياة التي تشبث بها بأطرافه و انتزعت منه انتزاعاً مدمياً 

نعم
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
و ما يستحق الموت أيضا
و ما يستحق النضال
و ما يستحق الحب


ألم يؤن الأوان لأن نعيد اكتشاف مواطن الحب في ذواتنا ؟
و أن ننزع تلك الغشاوة التي تعصب عيوننا
أن نبكي
 و نصرخ
و نتألّم
أن نعيد الحياة إلى أطراف عالمنا المتهالك قبل أن نخسره إلى الأبد و نخسر ذواتنا معه

أن نعلن ثورة جديدة و نسميها "ثورة الحب" و نستعيد هذا الحب المدفون عميقا في ذواتنا.. و لنكتشف أننا فعلاً بشر من لحم و دم و جزء من نسيج جسد بشري متلاحم.. و لسنا مجرّد "أرقام" تذهب ليجيء غيرها 

No comments:

Post a Comment