Saturday 21 July 2012

خيرٌ لا بدّ منه

"خيرٌ" لا بد منه
قد يلومني الكثيرون و يزجروني قائلين: المقارنة لا تجوز، لا محل لها و هي لا تؤدي إلى الإصلاح.
و أقول لهم أن لا يسعني إلّا المقارنة يا سادتي و قلبي يقطر حزناً و ألماً من هذه المقارنة التي أفجعتني.

نعم، أفجعتني.

فإني هنا أرى حاكماً عربيّاً يتخذ من حلول شهر رمضان الكريم فرصة للأخذ بيد أيتام بلاده، ليس فقط ماديّاً بتوفير المسكن و الملبس و المصروف لهم.. بل معنويّاً كذلك بتوفير "أسرة بديلة" للاعتناء بهم.

إنّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أطلق أمس مبادرة غاية في الإنسانيّة أسماها "قرية العائلة". يقطن الأيتام في هذه القرية و توفّر لهم فيها رعاية معيشيّة و صحيّة و نفسية كاملة. بل و إنهم يحاطون بأسرة بديلة كذلك مؤلفة من أم و خالة. كما أشار سمّوه إلى تخصيص أرض وقف لإنشاء مشروع يصرف من خلال عائداته على احتياجات القرية.

هذا و كنت قد قرأت خبر "قرية العائلة" البارحة من خلال تغريدات سمّوه بعد الإفطار مباشرة..

في صباح اليوم التالي استيقظت كعادتي لأقرأ الأخبار اليومية، و إذ بخبر جديد عن فض اعتصام للأيتام على الدوّار الرابع في العاصمة الأردنيّة عمّان فجر اليوم السبت. و لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل قام الأمن بالاعتداء عليهم بالضرب بـ"القنوات" و من ثم باشر باعتقال بعض منهم. تابعت البحث، و إذ بي أرى صوراً مؤلمة لبعضهم و قصصاً تدمي القلب لآخرين.

تذكّرت قوله تعالى في كتابه العزيز " فأما اليتيم فلا تقهر"...

و اليتيم هناك قُهر و أهين و اعتدي عليه..

اليتيم المستضعف الذي لا حول له و لا قوة ..

و أهم ما في الأمر، لا يملك عشيرة "تثور" و تهيج غضباً و "تقوم قائمتها" فزعاً لمصابه.

اليتيم الذي دعانا الله  إلى تكريمه و الأخذ بيده ضُرب و أُهين و طُرد لأنه لربما يشوه المنظر الحضاري للبلاد بوجوده مرميّاً في الشوارع!!
و إن تساءل بعضكم لم يعتصم الأيتام في عمّان، فالإجابة هي أنّهم يطالبون بأبسط حقوقهم من الرعاية الصحية و النفسية و الاجتماعية و الماديّة. فهُم " ما إلهُم غير هالـبلد"!




 دعوني أؤكد لكم أنّي أدرك تمام الإدراك الفروقات الجسيمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة و الأردن من الناحيتين الاقتصادية و الديموغرافيّة و أنّ مشروع مثل "قرية العائلة" التي سينشؤها سموّ الشيخ محمد بن راشد قد لا يعدو عن كونه مجرد حلم في الأردن في ظل الظروف الاقتصاديّة المزرية التي تمر بها البلاد. 
و لكن لا يسعني يا سادتي إلّا أن أقارن و لو على المستوى الإنساني كأقل تقدير!!
 .. فالإنسانيّة لا ترتبط بمستوى اقتصاديّ معين، أو بثروات نفطية أو بديموغرافية معينة.
الإنسان يا سادتي إنسان.. هنا أو في الصين أو اليابان.
و إنّي أؤمن بأنه لا يلزمنا لنتعلّم الدروس الانتظام في الصفوف المدرسية أو الجامعيّة و حضور المحاضرات التثقيفية، بل يكفينا فقط أن نرقب نماذج من البشر..  تعلمنا دروساً بصمت، دون أن تخلق زوبعة و تتفاخر بإنجازاتها.
 فهي  ترى بأنها تمارس دورها "الطبيعي" و لا تستفت فيه سوى ما زرعه الله في نفسها من إنسانية و حكمة.

المقارنة التي عقدتها اليوم يا سادتي كانت لربما شرّاً لا بد منه.
 لعل بعض القلوب المغيّبة تستفيق ،
 أو لربما تنتفض الضمائر البكماء من  سباتها.

فإن نجحت المقارنة المعقودة في تحقيق ذلك، تصبحُ يا أخوتي خيراً. 
خيراً لا بد منه.

No comments:

Post a Comment